الاكتئاب يمتلك مكونًا وراثيًا قويًا، لكن الجينات ليست العامل الوحيد المؤثر. تلعب تجارب الحياة الفردية والبيئة المحيطة أيضًا دورًا مهمًا. قد يكون التفاعل بين هذه العوامل الثلاثة هو المفتاح لفهم الاكتئاب.
هل توجد جينة خاصة بالاكتئاب؟
تشير الأبحاث إلى أن الاكتئاب قد يرتبط بعدة جينات، ولكن لا يوجد جين واحد يسبب الحالة. على سبيل المثال، أظهرت دراسة أجريت في عام 2011 أن الكروموسوم 3p25-26 كان موجودًا بشكل متكرر في أكثر من 800 عائلة تضم أفرادًا مصابين بالاكتئاب. كما وجدت دراسة أخرى في عام 2021 أن هناك 178 متغيرًا جينيًا مرتبطًا بظهور الاكتئاب.
وفي مراجعة للأبحاث عام 2022، تم تحديد ما لا يقل عن 7 جينات مرتبطة بوجود أعراض الاكتئاب. ومع ذلك، حتى مع وجود بعض الجينات أو المتغيرات الجينية المرتبطة بالاكتئاب، لا يزال من غير الواضح كيف تؤثر هذه الجينات على تطور الحالة.
في الواقع، لم يتمكن الباحثون بعد من تحديد أي جين معين، إن وجد، يسبب الاكتئاب. كما أن الوراثة ليست العامل الوحيد المرتبط بهذه الحالة. فليس كل من يعاني من الاكتئاب لديه تاريخ عائلي مع هذه الحالة، والعديد من الأشخاص الذين لديهم أقارب مصابين بالاكتئاب لا يصابون به.
قد يشير ذلك إلى أن الاكتئاب ليس وراثيًا بحتًا، بل إن بعض الأفراد الذين يحملون جينات معينة قد يكونون أكثر عرضة للإصابة به في ظروف معينة، خاصة عند تعرضهم لنفس البيئة والتجارب. ولهذا السبب يمكن أن ينتشر الاكتئاب في العائلات، ويواصل الخبراء البحث في الأسس الجينية للاكتئاب.
بعبارة أخرى، تشير الأبحاث إلى أن تفاعل الجينات مع العوامل البيئية، بما في ذلك التجارب الشخصية، هو المفتاح لفهم تطور الاكتئاب، بدلاً من التركيز على الجينات فقط.
العوامل الأخرى التي تسهم في الإصابة بالاكتئاب
تتضمن العوامل التي قد ترتبط بالاكتئاب تجارب سلبية مثل سوء المعاملة والإهمال، بالإضافة إلى الاختلافات البيوكيميائية، وأنماط الشخصية، والبيئات المختلفة، فضلاً عن العوامل الوراثية.
التجارب السلبية والبيئات الصعبة
يمكن أن يكون العيش في ظروف مرهقة، خاصة خلال مرحلة الطفولة، مرتبطًا بزيادة خطر الإصابة بالاكتئاب لدى بعض الأفراد.
تؤدي التجارب المؤلمة، مثل الاعتداء الجسدي والنفسي أو فقدان شخص عزيز، إلى زيادة احتمالية تعرض الشخص لمشكلات صحية عقلية، بما في ذلك الاكتئاب.
تشير الأبحاث التي أجريت في عام 2021 إلى أن وجود تاريخ عائلي من الأمراض العقلية والاعتداء الجنسي يزيد بشكل كبير من احتمالية الإصابة بالاكتئاب، كما أن التعرض للتنمر خلال السنوات الأولى له تأثير مشابه.
يمكن أن يسهم النمو في بيئة تحتوي على أحد الأقارب المصابين بالاكتئاب في زيادة المخاطر، وليس فقط بسبب العوامل الوراثية. على سبيل المثال، قد يكون أحد الوالدين المصابين بالاكتئاب أقل قدرة على تقديم الدعم العاطفي أو يمتلك موارد عاطفية محدودة لتلبية احتياجات الطفل.
تلعب العوامل الثقافية والتغيرات البيئية أيضًا دورًا مهمًا في نتائج الصحة العقلية.
على سبيل المثال، قد يواجه المهاجرون ضغوطًا إضافية تزيد من خطر الإصابة بالاكتئاب، مثل تحديات التكيف، والحواجز اللغوية، والتمييز، والصراعات المتعلقة بالهوية.
التغيرات البيوكيميائية
تعتبر السيروتونين والدوبامين والنورإبينفرين ناقلات عصبية، وهي رسائل كيميائية في الدماغ تلعب دورًا مهمًا في تنظيم المزاج. قد تؤدي التغيرات في مستويات هذه المواد الكيميائية إلى زيادة احتمالية الإصابة بالاكتئاب.
على سبيل المثال، تم اقتراح أن انخفاض مستويات السيروتونين قد يكون عاملًا مساهمًا في تطور الاكتئاب، على الرغم من أن بعض الأبحاث لم تثبت وجود علاقة قوية. ومع ذلك، غالبًا ما يتضمن العلاج الدوائي للاكتئاب في المرحلة الأولى استخدام مثبطات امتصاص السيروتونين الانتقائية (SSRIs)، وهي فئة من مضادات الاكتئاب التي تعمل على زيادة مستويات السيروتونين في الدماغ.
كما أن استخدام بعض المواد يمكن أن يؤثر على كيمياء الدماغ، مما قد يزيد من احتمالية ظهور أعراض الاكتئاب لدى بعض الأفراد، خاصةً أولئك الذين لديهم استعداد للإصابة به.
الشخصية
تم ربط بعض السمات والاضطرابات الشخصية بأعراض الاكتئاب، مثل:
- التعب
- التفكير في الانتحار
- الشعور بالذنب
- انعدام القيمة
أظهرت بعض الدراسات أن وجود سمات شخصية معينة يمكن أن يكون له تأثير وقائي ضد الاكتئاب.
في بحث موثوق من عام 2023، تم العثور على النتائج التالية:
- كان هناك ارتباط سلبي بين الانبساط والتعب وانخفاض الحافز، مما يعني أن الأشخاص ذوي مستويات عالية من الانبساط يشعرون بتعب أقل.
- أظهرت النتائج أن القبول يرتبط سلبًا بالذنب، وكذلك بأفكار الموت والانتحار، حيث أن مستويات أعلى من القبول تعني وجود أفكار أقل حول إيذاء النفس.
- كما وُجد أن الانفتاح يرتبط سلبًا بالشعور بعدم القيمة، مما يشير إلى أن الأشخاص الأكثر انفتاحًا يشعرون بقيمة أكبر.
تشير أبحاث أخرى إلى أن الأفراد الذين يعانون من مستويات عالية من العصابية، بالإضافة إلى اضطراب الشخصية الوسواس القهري (OCPD) وسمات الشخصية الاعتمادية واضطراب الشخصية الحدية، قد يكونون أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب المتكرر.
الاستنتاجات
على الرغم من أن الاكتئاب قد يكون له مكون وراثي، إلا أن الجينات ليست العامل الوحيد المسبب لهذه الحالة. يعتقد الخبراء أن التفاعل بين العوامل الوراثية والبيئية والتجارب الشخصية هو ما يؤدي إلى إصابة الفرد بالاكتئاب.